أمام المعطيات المتقدّمة، والتي من دون شكّ تَغيّرت نحو الأسوأ بعد عام 2020 لأسباب بات الجميع يَعرفها، فإن الزلزال لم يتسبّب فقط في تحريك الصفيحتَين العربية والتركية وهدْم آلاف المنازل فوق رؤوس أصحابها، وإنّما سيكون سبباً أساسياً في تحريك طبقات تصنيف الأمن الغذائي والفقر في عموم البلاد، وفي المحافظات المنكوبة خصوصاً. إذ يُتوقّع أن تنزلق الأُسر التي كانت تُصنَّف على أنها مُهدَّدة بأمنها الغذائي إلى خانة تلك التي تعاني انعداماً متوسّطاً وشديداً في هذا الأمن. والحال نفسه بالنسبة إلى معدّل الفقر، والذي كان يبلغ في عام 2019 حوالى 87% كمعدّل للفقر الإجمالي على مستوى حماة، وحوالى 72% كفقر شديد. وفي ذلك توقُّع تَدعمه مؤشّرات عدّة أبرزها: استمرار ارتفاع وسطي معدّل التضخّم الشهري المسجَّل في المحافظة خلال النصف الأوّل من العام الماضي، والبالغ حوالى 6.23% مقارنةً بحوالى 5.27% في عام 2021، فضلاً عن ارتفاع نسبة السكّان الحاصلين على معونات إغاثية، والذي يعطي دلالة على حجم الفجوة المعيشية التي تعيشها العوائل في هذه المحافظة وغيرها.
سيكون الزلزال سبباً أساسياً في تحريك طبقات تصنيف الأمن الغذائي والفقر في عموم البلاد
مثّل
هذا النموّ السكّاني السريع، عبئاً ثقيلاً على البُنى التحتية والمرافق
الخدمية، والتي لم تَسلم هي الأخرى من أضرار الحرب الطويلة. إذ تقدِّر
البيانات الرسمية نسبة الضرر الحاصل فيها بحوالى 57%، لتحتلّ حماة بذلك
المرتبة الخامسة بين المحافظات المتضرّرة، بينما وصلت نسبة الضرر في
وحداتها السكنية إلى حوالى 10%، معظمها متركّز في الريف، الذي يشكّل سكّانه
حوالى 63% من إجمالي عدد السكّان، مقابل 37% نسبة الحضر فيها. ولعلّ
تداعيات الزلزال الأخير على المحافظة، تَظهر من خلال الوقوف على نتائج
عملية التقييم التي أجرتْها «هيئة التخطيط الإقليمي» بالتعاون مع الوحدات
الإدارية، وخلُصت إلى أن نسبة جودة البُنى التحتية والخدمات العامة في حماة
تُقدَّر بحوالى 47%. وكمثال على ما تَقدّم، فإن عدد الأَسرّة الصحّية لا
يتجاوز 1985 سريراً مُوزَّعة على 51 مستشفى عامّاً وخاصاً، ما يعني أن حماة
واحدة من خمْس محافظات تقلّ فيها كثيراً حصّة السكّان تبعاً لعدد
الأَسرّة، حيث بلغ المعدّل الوسطي حوالى 1030 شخصاً لكلّ سرير. كما أن
المحافظة تحتضن حوالى 10 تجمّعات للسكن العشوائي وفق عملية الرصد التي
أنجزتها الهيئة المذكورة نفسها عام 2013، ويُعتقد أنها توسّعت أكثر خلال
الأعوام التالية.
في انتظار الفعل
ما يُتخوَّف منه - وهو
محتمَل بالفعل - أن تصبح المؤشّرات الاقتصادية والاجتماعية للمحافظة قبل
الزلزال، مشابِهة لتلك السائدة قبل الحرب، ليس من حيث جودتها ومستوى الرضى
عنها؛ إذ ثمّة فارق كبير فيها صنعتْه سنوات الأزمة لا يمكن تجاهُله، وإنّما
لجهة التغيّرات التي سوف تشهدها، كما حدث مع مؤشّرات ما قبل الحرب عند
وقوع الأخيرة. فمن المتوقّع، مثلاً، أن تتراجع مساهمة المحافظة من الناتج
المحلّي الإجمالي جرّاء تبعات الزلزال على المدى القريب، وربّما على المدى
المتوسّط أيضاً في ما لو فشلت السياسات الحكومية في إعادة تنشيط الاقتصاد
ودعْمه لتجاوُز تداعيات الكارثة، وتحديداً في القطاع الزراعي الذي كان
يشكّل ما نسبته 33.13% من إجمالي الناتج المحلّي الإجمالي عام 2010.
والجدير ذكره، هنا، أن حماة زراعية بامتياز، وهي الأولى في نسبة مساهمة
ناتجها المحلّي الزراعي من إجمالي الناتج المحلّي للقطاع الزراعي على
المستوى الوطني، حيث بلغت هذه النسبة 16.88% بفارق كبير عن مُنافِستها
محافظة الحسكة، التي لم تتجاوز مساهمتها الزراعية 10.62%. وللعلم، فإن
مساهمة حماة في إجمالي الناتج المحلّي الوطني قُدّرت رسمياً عام 2019
بحوالى 8.78%، بزيادة طفيفة عن مساهمتها في عام 2010، والبالغة آنذاك حوالى
8.52%. أمّا في المرتبة الثانية لتركيبة الناتج المحلّي الإجمالي
للمحافظة، فيأتي قطاع الخدمات بنسبة مساهمة 19.08%، ثمّ التجارة ثالثةً
بنسبة مساهمة قدْرها 14.53
المصدر:
http://www.syriasteps.net/index.php?d=127&id=194269