موجتان متضاربتان .. ساخنة وباردة .. طوّقتا التشكيلة الحكومية بوقتٍ واحد
عمرو سالم يخاطب الناس بمبادرة بثّت الآمال في النفوس المتعبة ويأمل أن يكون خادماً لشعب سورية العظيم
سالم : سأعمل ليل نهار ضمن جدولٍ زمني يبدأ بالفقراء في تأمين قوتهم بكرامة وعزة تليقُ بمقامهم العالي
العمل وطريقة الأداء هي معيار النجاح أو الفشل .. لا التغيير الشكلي .. طفيفاً كان أم شاملاً
سيريا ستيبس – علي محمود جديد :
ما إن تمّ الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة حتى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بردود أفعالٍ واسعة جاءت على شكل موجتين متتاليتين.
كانت الموجة الأولى ساخنة ومشبعة بالانتقادات والتعبير عن التشاؤم لاستمرار أغلب الوزراء في مناصبهم، وكان الكثيرون لم يخفوا سخطهم ولا هجومهم اللاذع على أداء الحكومة السابقة التي اعتبرها الكثيرون أنها لم تكن فالحة في أدائها، ولم تُظهر أي كفاءة بقدرتها على حل ولو جزء من المشاكل والمنغصات اليومية، بل على العكس ففي عهدها تفاقمت الأزمات بشكل كبير، أزمة طاقة، وأزمة خبز، وأزمة نقل، وارتفاع أسعار، وانخفاض لمستوى المعيشة، ولذلك حبست الناس أنفاسها إلى أن تصدر التشكيلة الحكومية الجديدة، والتي اعتقد الكثيرون أنها سوف تنسف الحكومة القديمة بتغيير شامل أو على الأقل شبه شامل، فكانت الصدمة أن التغيير كان طفيفاً، أو شبه معدوم، والصدمة جاءت من تراجع الآمال والتطلعات بإحداث تغييرات عميقة بالأداء الحكومي الذي كان موضع انتقادات شديدة لا تهدأ.
الموجة الثانية امتازت بما يشبه الإطفاء والتبريد، حيث بدأت تتسلل إلى الصفحات الزرقاء العديد من المباركات وإبداء الارتياح لدخول هذا الوزير واستمرار ذاك ( وطنّشَ ) هؤلاء كل الانتقادات وحالات الإحباط التي ظهرت على الكثير من الصفحات، واعتبر الكثيرون أن استمرار بعض الوزراء في مناصبهم هو تعبير عن ثقة القيادة بهم.
وقد حظيت الحالتان – التغيير الطفيف، وثقة القيادة – طيفاً واسعاً من الانتقادات أيضاً
وعبّر العديد من الزملاء الصحفيين والنشطاء الآخرين عن ذلك بوضوح، فالزميل ( يعرب العيسى ) كان تعبيره عن ذلك بطريقته الشيقة دائماً وأسلوبه الجذاب – بغض النظر إن كنا نتفق معه أم لا نتفق – فقال :
( فرانسيس فوكوياما (صاحب نظرية نهاية التاريخ) كان داعماً كبيراً لأوباما في انتخابات 2008، وفسّر موقفه الشرس فيما بعد بأنه يظن أوباما أقدر من جون ماكين على إدارة لحظة الأفول الأمريكي.
لم أكن "أفولياً" جيداً يومها، لذلك لم أفهم عبقرية هذا النوع من الخيارات، وحين صرت لم أجرؤ على إعلان انتمائي لهذه الأقلية.
بجولة مسائية عابرة على الفيسبوك السوري، رأيت الناس يدخلون في مذهب الأفول أفواجا. وفهم البعض عبقريتها لدرجة أني قرأت لـ "أفوليين" جدد يقولون: مبروك ثقة القيادة ).
أما الزميل ( خليل هملو ) فربط الحالة بطريقة فنية وصحية شيقة أيضاً وقال :
قبل لحظات من اعلان تشكيل الحكومة .... قبل قليل حصلت على لقاح مضاد لكورونا ...في مشفى قطنا ... اللقاح ضد كورونا وقرارات الحكومة المستقبلية ...
قولوو أمين ....
ترقب وانتظار :
وعلى الرغم من ظهور بعض الانتقادات الحادّة، فقد تزامنت معها أيضاً بعض الآراء المعتدلة التي فضّلت الانتظار إلى أن تتضح الأفعال على الأرض، فيما اعتبر البعض أن كل ما حصل ليس أكثر من أمر طبيعي جداً.
الزميل سليم عبود – مثلاً – قال :
يأتي وزير... ويذهب وزير ستظل السيارة معطلة كما تقول السيدة فيروز.. والسبب غياب الرؤية الاستراتيجية الناجعة.. فكل وزير يضرب على طبله.. يستمر.. أو يرحل.. دون أن يُسأل .. أين نجح وأين فشل.. لعدم وجود الرؤية الاستراتيجية الموحدة للحكومة التي ترسمها جهات متخصصة. ومع ذلك.. كل كلام اليوم سابق لأوانه.
فيما كان للزميل القدير ( منير الجبّان ) وبكثير من الهدوء والرواق رؤية مختلفة حيث قال :
( أن يعود أغلب الوزراء الى حقائبهم أمر طبيعي، وان تسند وزارات الى وجوه جديدة أمر صحي، وان تعود وجوه قديمة الى منصب وزاري جديد قيمة ومعنى )
إذن الإعلامي المذيع منير الجبّان – باسمه الكبير – هذه رؤيته التي تبدو بالفعل متوازنة وعميقة، لأن المهم بالنهاية هو الأداء، وطريقة التعاطي مع المهام، وإنما ما حصل هو طبيعي، وصحي، وذو قيمة ومعنى، وهو يُلمحُ في هذه العبارة الأخيرة لعودة الوزير ( الدكتور عمرو سالم ) الوزير السابق إلى منصب وزاري جديد، فلهذه العودة قيمة ومعنى .. فهل يستطيع الوزير سالم أن يترجم هذه القيمة وهذا المعنى الجميل ..؟
ظاهرة الوزير عمرو سالم
في الحقيقة استطاع الوزير عمرو سالم من اليوم الأول لإعلان التشكيلة الحكومية أن يجذب الأنظار إليه بشكلٍ كبير، لا سيما وأنه تسلّم حقيبة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك المشبعة بالهموم والمنغصات، والتي تعشعش في كنف أعمالها الكثير من الأزمات القائمة حالياً، من الخبز إلى القمح وحالاته، إلى المشتقات النفطية، إلى غلاء الأسعار، ومراقبة الأسواق، والكثير من القضايا العالقة التي تهم الناس جميعاً، فسرعان ما لفت المتابعون ما كان يبثه الوزير سالم – عبر صفحته على الفيسبوك – من أفكار وحلول للكثير من القضايا والأزمات التي تتعرّض لها البلاد، فربطوا تلك الأفكار بمهمته الجديدة ليجدوا في ذلك أمراً قد يصحّ لأن يكون أملاً حقيقياً.
الجميل في الأمر أن الوزير سالم تفاعل مع هذا الأمل مباشرة، وأبدى اهتماماً سريعاً بهواجس الناس، عبر خطاب وجهه إليهم، فنشر على صفحته :
( كتب عمرو سالم:
أيها الاهل والأحبّة في كلّ قريةٍ ومدينة في هذا البلد العظيم ...
أرجو من الله أن أكون عند حسن ظنّ قائدنا العظيم سيادة الرئيس الدّكتور بشّار الأسد رئيس الجمهوريّة العربيّة السوريّة ...
وأتضرّع بذلّة إلى الله أن يوفّقني بأن أكون خادماً لشعب سوريّة العظيم الّذي صمد وضحّى وأثقلت الحرب القذرة كاهليه ...
وسأعمل ليل نهار على المحاور الكثيرة لهذه الوزارة ضمن جدولٍ زمنيٍّ وجدول أولويّاته الذي يبدأ بالفقراء في تامين قوتهم بكرامةٍ وعزّةٍ تليق بمقامهم العالي ...
ولن أهمل المقتدرين وحماية حقوق جميع المستهلكين من جودة ومنطقيّةٍ بالأسعار ودعمٍ لغير المقتدرين ليتمكّنوا من شراء حاجاتهم ...
ولا أنسى واجب الوزارة في تسهيل عمل رجال الأعمال وكلّ المنتجين للسلع والخدمات على مبدأ أن نقوم بتأمين حقوقهم وأن يقوموا بواجباتهم ...
ولن أبرّر لنفسي أو لفريقي أيّ شيء. وسأصارح المواطنين بكلّ شيء. وابتعد عن الظهور الإعلامي للدّعاية ...
وألتمس من سادتي المواطنين منحي مهلةً لن تطول بإذن الله، لأنّ هناك خطواتٍ متتابعةٍ ضروريّة لتحقيق النتيجة ...
الحمل ثقيل، ولكنّ الشعب وقائده يستحقّون الموت من أجلهم ...
لن أبتعد عن صفحتي هذه، لكنّني ساخصّص الصفحة العامّة لما يتعلّق بالوزارة بحيث تتابع التعليقات هناك والشكاوى ريثما ننشئ نظاماً للشكايات بالهاتف والإنترنت ...
ولن أعترض على شتائم أو نقد او تجريح يخصّني شخصيّاُ. ولن اتّخذ بشأنه إجراءات ...
وأقول لمن يرغب، أن يسّجل أو يتابع صفحتي العامّة التي سأضع عنوانها في التعليق الأول ...
وسأكتب على صفحتي الحاليّة افكاري كالعادة. لكنّني لن أتعرّض لعمل أيّة جهة عامّة لأن أصول الإدارة تقتضي ذلك ...
أشكركم على رسائلكم واتصالاتكم وأرجو منكم دعواتكم ...
عمرو سالم: تزول الدّنيا قبل أن تزول الشّام ...)
هكذا قال الوزير وخاطب الناس، وهي مبادرة هامة جداً وغير مسبوقة من أي وزير آخر بهذه الصيغة، ولذلك سرعان ما تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي بترحيب شديد، وبنيت عليها الكثير من الآمال، وتحدث الكثيرون عنها آملين أن يأخذ الله بيده لتحقيق برنامجه وخطته.
ردود الأفعال :
بالفعل كانت ردود الأفعال على مبادرة الوزير عمرو سالم مُشبعة بالتفاؤل والأمل، وقد تحدث الكثيرون عن ذلك.
الدكتور إياد عفيف بهنسي قال :
(معالي المواطن الوزير
اليوم قد تم تكليفك وزيراً لاهم وزارة .. وزارة تحمل هم المواطن وعيشه وحياته وجميل جدا ان يكلف وزير سابق لاستلام حقيبة جديدة (فلديه التجربة السابقة في العمل الحكومي بكل ابعاده ) والاجمل من هذا بأن يعلن الوزير عن خارطة انقاذ رافضاً فيها المستحيل (واوافقك بذلك ) وحاملاً بيده عصا ً سحرية . وقد تابعت موقعك الشخصي مثلما تابعه ويتابعه الكثيرون وكان تركيزي على الحلول التي تقدمها كمواطن ووزير سابق وفي اكثر الامور تعقيداً والتي يعلوها لقمة عيش المواطن والكهرباء وتحرير الدعم كلياً . اما اليوم فهو غير الامس فأنت تحت المجهر وعصاك السحرية يجب ان تبهج قلوب المحرومين و تضيء نور الامل بفتح افق صحيح للعمل مؤيدا برضا البسطاء ليُحملَ رضاهم على الغمام لما فوق السماء ).
الجميل في الأمر هنا والذي يبدو مريحاً هو أن الوزير عمرو سالم يتابع ردود الأفعال هذه، حيث مفاجئاً بتعليق متواضعٍ له على منشور الدكتور إياد قال فيه :
(أرجو ان أكون على قدر بعض ما كتبت دكتور إياد الغالي. وكل أملي أن أكون خادماً وأن أقدم شيئاً مهما كان قليلاً )
عمرو سالم .. وما يكروسوفت
الزميل هلال عون ( المحقق الصحفي البارع ) دخل هذا المضمار وقال :
اعتقد ان القيادة جاءت في التشكيلة الحكومية الجديدة برجل صاحبِ مشروع ، وخطط وبرامج خلّاقة لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك .. هو الدكتور "عمرو سالم " .
وأعتقد أنه في حال تم السماح له بتنفيذ خططه وبرامجه، فإنه سيصبح هدفا للافتراء عليه ولتشويه كل ما يقوم به من قبل حلقات كبيرة ومتوالية من الفاسدين والسماسرة الكبار والصغار الذين ستنسد في وجوههم منافذ الفساد بسبب برامجه وخططه .
واعتقد ايضا أنه ، في حال نجاحه فإنه سيؤسس لنهج اقتصادي جديد ، يتعلق بأسلوب الدعم الذي تقدمه الدولة ، وما زال يتخوف الكثيرون من طرحه أو تأييده ، وينقسمون في قناعاتهم ما بين :
- مسؤول مستفيد على المستوى الشخصي من أساليب الدعم الحالية .
- غير مطلع على اساليب الدعم الأخرى في العالم .
- «اشتراكي» يعتقد أن تحرير الأسعار ضار بالطبقات الفقيرة .
- مزاود يريد اثبات ولائه للاشتراكية بأي شكل من الاشكال .
- قارئ اقتصادي يرى أن تحرير الاسعار ضار اقتصاديا .
يرى د. عمرو سالم أن اي سلعة تباع بسعرين ، مدعوم ، وعادي ، تفتح أبواب الفساد على مصاريعها .
و ان الدعم لا يصل الى مستحقيه ، بل يصل إلى الاغنياء بنسبة اكبر .
وفي ذلك يقول : " 56 % من المبالغ التي تخصّصها الدّولة للدّعم تصل إلى ال ٢٠% الأغنى من المواطنين ، و ٦% منها فقط، تصل إلى ال ٢٠% الأفقر ".
ولذلك كان يقترح دائما، على صفحته على الفيس، تغيير اساليب الدّعم .
ومن آرائه في هذا المجال :
" لا بدّ من الرفع الكامل لكلّ اشكال الدّعم وتوزيع المبالغ التي تصرف عليه كمبالغ تدفع شهريّاً للمستحقين فقط “.
ويرى أن "هذا عملٌ يمكن إنجازه في أيّام وتُرى نتائجه في أيّام، وأيّ حلًّ وسط، سوف يمدّ الأزمة ويفاقهما ويأخذ الاقتصاد إلى شلل".
وتحدث مرات عديدة عن ان بيانات مستحقي الدعم والاكثر فقرا متوافرة لدى الحكومة ، ويمكن منحهم المبالغ النقدية البديلة عن الدعم بطرق عديدة، منها عبر البطاقات الالكترونية .
وكان سالم أبرز الذين كتبوا وانتقدوا وفندوا مثالب واخطاء قرار «أشباه الألبان والاجبان» والأضرار الصحية القاتلة له ، بطريقة علمية رصينة .
ويعتبر عمرو سالم من العقول العلمية الهامة في سورية ، حيث تخلى عام ٢٠٠٥ عن عمله كمدير في مايكروسوفت، ليلبي نداء بلده، حيث عين انذاك وزيرا للاتصالات .
أما آخر منشور كتبه سالم على صفحته اليوم فهو : ... ( المنشور المشار إليه أعلاه )
أخيراً :
في الحقيقة مهما كان التغيير طفيفاً أو شاملاً، فهذا ليس معياراً للنجاح أو الفشل، والمعيار الوحيد الذي يمكن القياس عليه بالنهاية هو العمل وطريقة الأداء التي نرجو أن تكون متغيرة في هذه الحكومة، وأن يكون هناك جديّة أكثر في التعاطي مع هموم الناس ومعاناتهم ومنغصاتهم اليومية، ومراعاة الحالة البائسة والصعبة جداً التي وصلوا إليها، كما نأمل الابتعاد ما أمكن عن تلك الصيغ التي اعتادت الحكومات على استخدامها بلا طائل .. كصيغ ( شدّد .. وأكد .. ووجّه .. ) وما إلى ذلك، فكثيراً ما كنا نسمع أن مسؤولاً قد شدّد .. ولا نرى أي تشديدٍ على شيء، وآخر أكد .. ولا يظهر أي شيء يُنفذ مما أكد عليه، وثالث وجّه .. ولا نرى شيئاً يتغير، بل على العكس رغم هذا كله لا نرى إلاّ وأنّ الأمور تتراجع وتزداد سوءاً، فتزداد النفوس توتراً، ولهذا لا داعي لاستسهال مثل هذه الكلمات إن لم تكن مقرونة بالأفعال .. بل وتسبقها الأفعال.
إن ردود الأفعال الأولية على التشكيلة الحكومية، والمشبعة بالإحباط والتشاؤم لم تأتِ هكذا من فراغ، فهناك هوّة سحيقة ما تزال ماثلة بين المسؤول والمواطن، وهي إلى اتساع، وكلما اتسعت صارت مرعبة أكثر، وردمها بيد المسؤولين وليس بيد المواطنين، فاردموها واستريحوا ..!
نعم .. هناك حرب ومصاعب وحصار وعقوبات .. وبلاوي على هذه البلاد، والجميع يعرف ذلك، ولكن هناك هوامش كبيرة أمام المسؤولين يمكن أن تكون مياديناً رحبة لبذل المزيد من الجهود، وتقديم الكثير من الإنجازات واتخاذ القرارات الكفيلة بتحسين الأوضاع، وتخفيف الصعوبات التي لم تعد – عند الكثيرين – تُطاق.
المصدر:
http://www.syriasteps.net/index.php?d=127&id=188421