كيف تأجّلت انتخابات مجلس الشعب .. دستورياً ..؟ .. خمسة أسئلة تمت الإجابة عليها ؟
08/05/2020



سيريا ستيبس – علي محمود جديد

بالفعل .. وقبل أن يُصدر السيد الرئيس بشار الأسد المرسوم الجمهوري رقم / 121 / لعام / 2020 / يوم أمس الخميس، القاضي بتأجيل انتخابات أعضاء مجلس الشعب للدور التشريعي الثالث حتى الـ 19 من تموز المقبل وذلك ضمن الإجراءات الاحترازية التي تقوم بها الدولة للتصدي لفيروس كورونا، كان قد توجّه سيادته بخمسة أسئلة إلى المحكمة الدستورية العليا، وطلب منها الإجابة عنها بصفة مستعجلة.

نص كتاب رئيس الجمهورية

مقام المحكمة الدستورية العليا أطلقت الإجابة عن الاستفسارات الخمسة على شكل حكم – تحتفظ سيرياستيبس بصورةٍ عنه – أوضحت فيه أنّ المحكمة قد ورد إليها كتاب من السيد رئيس الجمهورية العربية السورية يتضمّن طلب تفسير بعض مواد الدستور التي تحكم إجراءات انتخابات مجلس الشعب للدور التشريعي الثالث، وخاصة المادتين / 56 / و / 62 / من الدستور.

وقد تضمن كتاب السيد رئيس الجمهورية الآتي :

السيد رئيس المحكمة الدستورية العليا :

نصّت المادة / 56 / من الدستور على أنّ :

( ولاية مجلس الشعب أربع سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ أول اجتماع له، ولا يجوز تمديدها إلاّ في حالة الحرب بقانون )

كما نصت المادة / 62 / من الدستور على أنّ :

( 1 – تجري الانتخابات خلال الأيام الستين التي تسبق تاريخ انتهاء ولاية مجلس الشعب.

2 – يستمر المجلس في الانعقاد حكماً إذا لم يُنتخب غيره، ويبقى قائما حتى يتم انتخاب مجلس جديد ) .

واستناداً لأحكام المادتين المذكورتين صدر عن رئيس الجمهورية المرسوم رقم 76 / تاريخ 3 / 3 / 2020 موعداً لانتخاب أعضاء مجلس الشعب للدور التشريعي الثالث وبسبب الظروف الصحية الحالية تم تأجيل هذه الانتخابات لاحقاً، بموجب المرسوم رقم / 86 / تاريخ 14 / 3 / 2020 إلى يوم الأربعاء الموافق 20 / 5 / 2020 .

إلاّ أنه في ظل استمرار الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها المنطقة والعالم، واتساع رقعة انتشار فيروس كورونا على المستوى العالمي ، واعتباره وباءً عالمياً من قبل منظمة الصحة العالمية، وحرصاً على صحة وسلامة المواطنين خشية من التجمعات التي تحدث يوم الانتخاب ، وفي ضوء احتمال تأجيل الانتخابات للأسباب المذكورة ، كان لا بدّ من طلب تفسير بعض مواد الدستور التي تحكم إجراء هذه الانتخابات.

الأسئلة الخمسة

وتابع السيد رئيس الجمهورية كتابه قائلا :

لذلك بناء على أحكام الدستور ، وعلى أحكام المادة / 41 / من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم / 7 / لعام / 2014 نطلب إليكم – وبصفة مستعجلة – بيان تفسير نص المادتين / 56 / و / 62 / من الدستور لجهة تحديد ما يلي :

1 – إمكانية تأجيل انتخابات مجلس الشعب إلى ما بعد المهلة المحددة دستورياً في حال استمرار الظروف الاستثنائية السابق ذكرها ، وما هو الصك الذي يتم بموجبه تأجيل هذه الانتخابات ؟

2 – في ظل استمرار الظروف الاستثنائية الحالية إلى ما بعد المهل المحددة دستورياً لإجراء انتخابات مجلس الشعب ، فهل يمكن الاستناد إلى أحكام التمديد الحكمي الوارد في المادة / 62 / من الدستور لتمديد ولاية مجلس الشعب الحالي ، وهل يحتاج ذلك إلى صدور صك بهذا التمديد أم لا ، وفي حال الإيجاب ما نوع هذا الصك ؟

3 – هل يحتاج الأمر إلى طي مرسومي تحديد موعد الانتخابات وتأجيلها رقمي / 76 / و / 86 / لعام 2020 ، أم يتم الإبقاء عليهما ، وفي حال كان الاتجاه إلى طي هذين المرسومين ، هل هناك مدة زمنية محددة لإصدار مرسوم الطي ؟

4 – بعد انتهاء الظروف الحالية التي كانت سبباً في عدم إجراء الانتخابات والتمديد لمجلس الشعب ، هل هناك مدة مقيّدة لصدور مرسوم عن رئيس الجمهورية يحدد بموجبه موعد انتخابات مجلس الشعب ؟

5 – هل يجوز أن يكون التمديد القانوني في حالة الحرب بموجب مرسوم تشريعي يصدر عن رئيس الجمهورية، أم صلاحية التمديد محصورة بمجلس الشعب . وفي هذه الحالة هل يمكن إعداد مشروع هذا الصك التشريعي من قبل رئيس الجمهورية ، أم يتم اقتراح هذا القانون من قبل مجلس الشعب ، أم يمكن لكليهما ذلك ..؟

دمشق في 31 / 3 / 2020

رئيس الجمهورية

بشار الأسد

في المناقشة والتطبيق

أوضح حكم المحكمة الدستورية العليا أنّ المحكمة ناقشت طلب السيد رئيس الجمهورية بشأن تلك المسائل المحددة، واستعرضت المبادئ العامة للدستور، ومواد قانون الانتخابات العامة والعديد من القرائن، وصولاً إلى البحث في التطبيق، ومن ثم قدّمت خلين متناغمين مع الفقه الدستوري لمواجهة ذلك الخطر الاستثنائي.

حيث رأت المحكمة أن انتشار فيروس كورونا حول العالم يُعدّ ظرفاً استثنائيا طارئاً لا يشابه أي حدث عالمي سابق ، خاصة بعد إعلان منظمة الصحة العالمية تحوّل الفيروس إلى جائحة عالمية امتدّت إلى مناطق جغرافية غطّت العالم بأسره، ومن بينها الجمهورية العربية السورية والتي يمثل انتقال الفيروس إليها خطراً محدقاً يهدد سلامة الشعب بالكامل بسبب الظروف السيئة التي رزح تحتها الشعب السوري منذ أكثر من تسع سنوات وما رافقها من انخفاض بمستوى الخدمات الطبية والدوائية نتيجة العقوبات الاقتصادية أحادية الطرف، التي تطبق على الدولة السورية.

ذلك أن هذا الفيروس وبحسب منظمة الصحة العالمية ( وباء ) ينتقل إلى العديد من الأشخاص والمجتمعات في نفس الوقت ، وقد دعا مدير عام منظمة الصحة العالمية إلى التركيز على خمس كلمات وهي ( الوقاية ، والتأهب ، والصحة العامة ، والقيادة السياسية ، والناس ) لإمكانية السيطرة عليه.

ولهذا دعت منظمة الصحة العالمية البلدان إلى فحص مواطنيها وإجراء الاختبارات الطبية لهم ومعالجتهم وعزلهم وتعقّبهم ، لمنع انتشار الوباء على نطاق أوسع في الدول.

ومن هنا يغدو من الواجب على الدولة ، القيام بكافة الإجراءات اللازمة للتصدي لخطر هذه الجائحة الاستثنائية ، بعزل المواطنين ومنع تجمعهم خشية انتشار الفيروس.

حلان برعاية الفقه الدستوري

يتابع منطوق حكم المحكمة الدستورية العليا ديباجته بالقول :

بهذا الصدد تعارف الفقه الدستوري على تقديم عدد من الحلول لمواجهة الخطر المحدق والذي يُشكل ظرفاً استثنائياً:

الحل الأول :

هو تطبيق حالة الضرورة وفقاً للقاعدة التي تقضي بأن ( الضرورات تُبيحُ المحظورات ) على أن ( تُقدّر الضرورة بقدرها ) .

حيث تُمثل هذه الضرورة استثناء يرد على مبدأ سمو الدستور يسمح للسلطة التنفيذية باتخاذ الإجراءات التي تراها مناسبة لمواجهة الخطر دون حاجة لوجود نص دستوري تستند إليه .

حيث تكون ( حالة الضرورة ) وحدها هي السند ، استناداً لمبدأ يقضي بأن : ( سلامة الدولة وسلامة الشعب فوق القانون )

فإذا تعرّضت الدولة لخطر جسيم أو ظرف استثنائي كحرب أو أزمة اقتصادية أو كوارث طبيعية أو أوبئة عامة من شأنها أن تهدد كيان الدولة ، جاز للسلطة التنفيذية ممثلة برئيس الدولة ، الخروج على مقتضى القواعد الدستورية ولكن بالقدر اللازم لمواجهة الخطر ودفع ضرره العام .

الحل الثاني

هو تطبيق حالة الظروف الاستثنائية استناداً إلى الدستور، وهي تجد سندها في المادة / 114 / من الدستور التي تنص على أنه ( إذا قام خطر جسيم وحال ، يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة واستقلال أرض الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن مباشرة مهامها الدستورية لرئيس الجمهورية أن يتخذ الإجراءات السريعة التي تقتضيها هذه الظروف لمواجهة الخطر )

حيث وضع المشرع حكماً استثنائيا، يعالج وضعاً طارئاً لم تتوقعه النصوص الدستورية المكتوبة وأجاز لرئيس الجمهورية اتخاذ الإجراءات السريعة اللازمة لمواجهة الخطر ، إذا قدّر وجود هذه الحالة وللمدة التي يراها لازمة لزوال الخطر .

وبالرغم من أن مقتضى مبدأ المشروعية هو خضوع الدولة للقانون ، إلا أنه في ظل حالة الضرورة أو الظروف الاستثنائية يتوجب منح السلطة التنفيذية سلطات استثنائية للحفاظ على سلامة الأشخاص أو المال .. وتستدعي الحفاظ على مصلحة أولى بالحماية من المصلحة المضحى بها ، وحالة الضرورة تبقى مبنية على الأدلة والوقائع التي تثبت الخطر الواقع الذي يسببه، وتعد حالة الضرورة معبرة عن توافر حالة واقعية تتمثل في إحدى الظروف الاستثنائية التي تتنوع أحوالها مثل حالة الحرب والأوبئة والكوارث والطوارئ، وبمعنى آخر هي تشريعات من طبيعة استثنائية في مجال ممارسة السلطة التشريعية وتصدر في ظروف يصعب تصوّرها أو أحوال تقتضي الإسراع في إصدار تشريعات لمواجهة تلك الحالات .

وتبقى تصرفات السلطة التنفيذية محكومة دائما بهدف تحقيق المصلحة العامة ، سواء في الظروف العادية أم في الظروف الاستثنائية، فالمصلحة العامة هي الهدف لكل تصرفات السلطة التنفيذية وأعمالها في جميع الظروف ودائما لأنها هي المبرر ، فإذا استهدفت هدفاً آخر غير المصلحة العامة ، لا يكون ثمة مبرر أو سبب للسلطات المقررة لها .

وبما أن الحدث الخطر الذي تعيشه سورية يهدد كيان الدولة ذاتها ، يغدو واجباً اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة هذا الخطر .

وبناء على ما سبق فإن المادة / 114 / من الدستور تشكل السند الدستوري الذي تراه المحكمة الدستورية العليا صالحاً لإصدار مرسوم تأجيل موعد الانتخابات عن تاريخها المحدد بموجب المرسوم / 86 / بــ 14 / 3 / 2020 والذي كان قد حدد يوم الأربعاء الموافق لــ 20 / 5 / 2020 إلى تاريخ آخر يحدد لاحقاً بعد زوال الخطر الذي استدعى التأجيل .

حكمُ المحكمة الدستورية

ثم دخلت المحكمة الدستورية العليا في تفاصيل التفاسير التي طلبها السيد رئيس الجمهورية، لتصل بالنهاية إلى هذا الحكم :

يقول قرار الحكم :

حكمت المحكمة الدستورية العليا بالإجماع بالآتي :

أولاً :

من حق رئيس الجمهورية إصدار مرسوم تأجيل انتخابات أعضاء مجلس الشعب للدور التشريعي الثالث حتى زوال الظرف الاستثنائي والمتمثل بتفشي فيروس كورونا.

ثانياً :

في حال استمرار الظرف الاستثنائي والمتمثل بخطر تفشي الفيروس لا حاجة إلى إصدار أي صك تشريعي بتمديد ولاية مجلس الشعب للدور التشريعي الثاني الحالي استناداً إلى التمديد الحكمي بصراحة نص أحكام المادة / 62 / من الدستور.

ثالثاً :

يعد المرسوم الذي سيصدر بتأجيل موعد انتخابات أعضاء مجلس الشعب للدور التشريعي الثالث بسبب الظرف الاستثنائي الحالي والمتمثل بخطر تفشي الفيروس مُلْغياً حكماً للمرسومين / 76 / و / 86 / لعام 2020 دون حاجة لإصدار مرسوم بطي أحكامهما .

رابعاً :

بعد انتهاء الظرف الاستثنائي الذي كان سبباً في عدم إجراء الانتخابات مسوّغاً لرئيس الجمهورية لإصدار مرسوم بتحديد موعد جديد للانتخابات دون التقيد بأي مدة دستورية شريطة أن تكون المدة الجديدة متناسبة مع إجراءات العملية الانتخابية .

خامساً :

لا يكون تمديد ولاية مجلس الشعب في حالة الحرب بمرسوم تشريعي ، وإنما بقانون استناداً لأحكام المادة / 56 / من الدستور وإن صلاحية إعداد مشروع قانون التمديد إمّا أن تكون من قبل رئيس الجمهورية أو باقتراح قانون من قبل أعضاء مجلس الشعب ، أما صلاحية الإقرار النهائي فهي محصورة بمجلس الشعب بقانون .

 

 

 

 

 



المصدر:
http://www.syriasteps.net/index.php?d=127&id=182225

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc