وحدها ثقافة احترام القانون يمكن أن تجعل أحوال بلدنا بألف خير....
14/04/2020



بقلم: زياد غصن

منذ سنوات طويلة، ونحن مفتونون بالمجتمعات الأخرى.. نحسدها على يوميات حياتها، حضارتها، دخل أفرادها، احترامها للقانون..

ولهذا عندما سنحت الفرصة للبعض للهجرة إليها لم يتردد, وتحدى أحياناً الموت للوصول إليها.

وتاريخ الهجرة الخارجية في بلدنا خلال العقود السابقة يؤكد ذلك الافتتان.. سواء أكان نتيجة لمعرفة شخصية بأوضاع تلك المجتمعات، أو بناء على الصورة الذهنية التي طبعها الإعلام والسير الشعبية عن حياة تلك المجتمعات..

كل منا يُفتن بالمجتمعات الأخرى تبعاً لاهتماماته وثقافته وطموحاته..

فالمواطن لدينا يُفتن بالرعاية والخدمات المتوافرة لمواطني تلك المجتمعات، حيث الدخل الكافي والاحترام والعدالة..

رجل الأعمال يُفتن ببيئة الأعمال المتوافرة هناك، والتي تجعله يؤسس مشروعاً في أقل من 24 ساعة مثلاً من دون أي ابتزاز أو فرض شراكات..

ورجل الفكر والثقافة تفتنه حرية الرأي والتعبير السائدة فيها، ومساحة الإبداع التي هي بلا قيد أو شرط..

لكن عملياً تلك المجتمعات ليست مدناً فاضلة كاملة، ففيها الكثير من ممارسات الفساد، جرائم القتل والسرقة، العنصرية أحياناً.. وفي بعضها هناك تشرد وانتحار أيضاً.

ما يميز تلك المجتمعات ويجعلها أمثولة إنسانية أنها دولة قانون.. تطبق ما تصدره من تشريعات وقوانين على الجميع، أفراداً ومؤسسات.. فلا أحد هناك فوق القانون، أو يجرؤ على المس بالقانون، أو يحاول أن يكون بديلاً عن القانون..

وما دام القانون هو السيد فكل أحوال البلد ستكون بخير.. فلماذا لا يكون هذا هو السائد لدينا؟

جوهر مشكلتنا أنه لدينا ثقافة عدم احترام سلطة القانون، أفراداً ومؤسسات.. من المواطن، ومن القائم على تطبيق القانون على حد سواء..

وهذه الثقافة كالعديد من الأشياء التي نعاني منها، ليست طارئة على حياتنا بفعل متغيرات معينة، وإنما هي فعل تراكمي مجتمعي ومؤسساتي، وتالياً فالتخلص منها واستبدالها بثقافة أخرى مغايرة يحتاج إلى مشروع وطني معزز بإرادة حقيقية لفعل ذلك..

قد تكون المهمة بنظر البعض أقل صعوبة على المستوى المؤسساتي، لكن في ظل تغلغل شبكات الفساد وإمساكها بمفاصل عمل رئيسية، فإن المهمة ستكون أصعب بالنظر إلى طبيعة القرارات والإجراءات “المؤلمة” المطلوب اتخاذها وتنفيذها..

وهذا هو الحال أيضاً على المستوى المجتمعي، حيث هناك حاجة لتضافر جهود جهات عديدة.. إذ إن مجرد محاولة التواصل مع أفراد المجتمع في ظل الثقة المفقودة أمر ليس بتلك السهولة التي ينظر إليها البعض.. فكيف سيكون الحال إذاً مع محاولة إقناع أفراد المجتمع بمضمون الرسائل الهادفة إلى بناء ثقافة جديدة قائمة على احترام سلطة القانون؟

عندما ننجح في بناء ثقافة احترام سلطة القانون من الجميع، سيكون متاحاً أن نشهد في مجتمعنا ما يفتننا بالمجتمعات الأخرى، وأن نستقطب كثيراً من الكفاءات والكوادر الوطنية التي خرجت بحثاً عن فضاء أرحب في العمل والإبداع.



المصدر:
http://www.syriasteps.net/index.php?d=131&id=181407

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc