مروة ياسين
"حوليكي عريس لقطة؟".. لم تصل ناديا (25 عاماً) إلى السن الذي يجعلها تيأس من الزواج، إلا أنها وبالرغم من ذلك لا تبدو متفائلة إذ وصل بها الحال أن تسأل صديقتها المتزوجة، متسترة بالفكاهة، عن عريس "لقطة"، والـ "لقطة" تعني طبعاً أن يكون ميسور الحال بالدرجة الأولى، إضافة إلى بضعة صفات إضافية، كالدرجة العلمية، والسمعة الجيدة، والالتزام...
لم تكن الفتيات، من عمر ناديا، يعرفن هذا الخوف قبل بضع سنوات، إلا أن الحال التي آلت إليها البلاد من غلاء وتدني الأجور وما يقابلهما من هجرة الشباب.. كل ذلك جعل من الزواج، الذي بات ممنوعاً عن الفتاة السورية، مرغوباً بشدة من قبلها وفي سن مبكرة، كما أصبح بالنسبة لكثيرات غاية يتوجب السعي وراءها.
350 ألف ليرة إيجار قاعة حفل الزفاف متوسطة الحجم، 200 ألف ليرة لمحبس ذهب متوسط الوزن أيضاً، و100 ألف متوسط إيجار فستان زفاف، ومثلها لصالون التجميل، أي ما يقارب الـ 750 ألف ليرة هي تكلفة حفل الزفاف وحده، هذا إن وصل الشاب إلى قرار الزواج بعد أن يضع في حسبانه أن تكلفة معيشة فردين تقارب الـ 150 ألف ليرة، وتكلفة إيجار منزل مفروش تتراوح بين 75 ألف ـــ 100 ألف، وبالطبع إن خيار شراء منزل محذوف تماماً وعبارة "رح سكنك بعيوني" لا تصرف في أي مكان بالواقع، وكذلك فكرة شهر العسل محذوفة، وحتى شراء العسل بحد ذاته غير وارد بعد أو وصل سعر الكيلوغرام الواحد إلى 12 ألف ليرة.
وتتوزع آراء الفتيات بالزواج على وجهات عدة، منهن من وجدت في تخفيف المتطلبات حلاً، ومنهن من تجد أن الزواج في مثل هذه الظروف قرار خاطئ.
"لن اشترط المحبس الذهبي وكل ما أريده هو فستان أبيض بسيط وحفلة صغيرة في منزلي"، هكذا لم يعد الفستان الأبيض المنفوش والطرحة الطويلة حلم مدرسة اللغة العربية سناء (26 عاما) بل قصرت متطلباتها على أمور بسيطة تستغني معها عن لمعة خاتم الذهب في إصبعها، مقابل أن تحصل على لمعة الفرح في عينيها.
وبالمقابل فالكثير من الفتيات، مثل ناديا، ما زلن يرغبن بـ "عريس لقطة" ولديهن إصرار كبير على أن يحظين بفرحة كل تفصيل من تفاصيل مراسم الزواج المعتادة وعلى أتم وجه، وعلى أن يتحلى من يرغب التقدم لخطبتهن بميزات لا تقل عن تلك التي يتمتعن بها في بيوت الأهل، حتى لو اضطرهن الأمر للهجرة إلى بلد الزوج، أو للزواج من أجانب.
"لن أتزوج حتى لا أنجب طفلاً سيكون مضطراً لتذوق مرارة الحرمان في أبسط متطلباته"، فاستحالة امتلاك الشباب لمنزل يجعل رولا (29 عاما) تشعر بعدم الاستقرار، إضافة إلى أن الغلاء وكثرة متطلبات الحياة في الزواج، وخصوصاً عند إنجاب الأطفال، يدفعها لرفض الزواج بشكل مطلق.. "لن أكون أنانية باستمتاعي بشعور الأمومة وتجاهل معاناة مخلوق سيحرم من أمور عدة أولها الاستقرار وليس آخرها غض نظره عن محلات الألعاب".
ولكن ماذا عن الشباب.. هل لديهم رأي آخر؟
" حبيبتي تقبل العيش معي في غرفة داخل منزل أهلي".. هكذا يقول خالد (33 عاما) الذي بحث عن فتاة تحبه وترضى بوضعه الحالي مع الامتناع عن إنجاب طفل إلى أن يتحسن وضعه المادي، وبرأي خالد الحب أقوى من الظروف، فبالرغم من أن المستوى التعليمي لفتاته أعلى من مستواه (ما زالت تتابع دراستها الجامعية)، إلا أنها لم ترفض العيش معه في غرفة، ولينهي حديثه بابتسامة: "أنا أستعد للتقدم لخطبتها قريباً".
وعلى العكس فإن عدنان ( 30 عاماً) يرى بأنه إن لم يكن جاهزاً للزواج تماماً، مادياً ومعنوياً، فلا يرى بأن هناك ضرورة تدفعه للاستعجال بالإقدام على هذه الخطوة، فتأمين منزل ومدخول يؤمن لهما حياة كريمة هما من الأساسيات التي يفكر عدنان في توفيرها قبل التفكير بالزواج أصلاً.
مدخل نصف مضاء.. باب مغلق.. وهدوء تام.. على هذا الحال بقيت صالة الأفراح الوحيدة في منطقتي (والتي تُعد أقل من متوسطة) طوال الشهر الماضي، دون أن يُسمع للفرح صوت فيها، ويرجح أن صوت الأفراح بات منخفضاً ومقتصراً على الحفلات الصغيرة في المنزل، أو أنها مكتومة الصوت باعتبارها أصبحت مظهراً من مظاهر الترف والكماليات.
ظروف قاسية فرضت على جيل الشباب، مثل العزوف عن الزواج، وتجنب الإنجاب، إضافة إلى المخاطر التي بدأت تهدد بنية المجتمع السوري، وأولها تضاعف نسب الطلاق مرتين مقارنة بالزواج الذي انخفضت نسبته إلى الحد الأدنى، حتى بات تلقي دعوة لحفل زفاف أمراً مثيراً للاستغراب، فهل بات الزواج رفاهية للمترفين لا يحق للبقية التفكير بها؟.
المصدر:
http://www.syriasteps.net/index.php?d=127&id=180264