سيرياستيبس كتب الاعلامي غالب درويش
قال الأمين العام للمنظمة العربية للطاقة، المعروفة سابقاً بـ"أوابك"، جمال اللوغاني إن "أسواق النفط العالمية تشهد خلال الوقت الراهن، منعطفاً حاسماً لا سيما في ظل حال عدم اليقين المحيطة بالاقتصاد العالمي".
وأوضح في مقابلة مع "اندبندنت عربية" أن هذه الحال ناتجة من التوترات الجيوسياسية والتجارية وتغير أولويات السياسات الاقتصادية، مما يضع ضغوطاً ملموسة على الطلب العالمي على النفط، خلال وقت تتزايد فيه إمدادات الخام.
وأشار إلى آفاق السوق النفطية تبقى مرتبطة بعدد من المخاوف، أهمها مؤشرات تباطؤ الاقتصاد الصيني واضطرابات السياسة التجارية الأميركية وضعف النمو الاقتصادي في أوروبا، فضلاً عن التوترات الجيوسياسية في مناطق الإنتاج الرئيسة التي تظل عاملاً ضاغطاً على أسواق الخام، إذ أدى تصاعد التوترات في الشرق الأوسط إلى زيادة أسعار العقود الآجلة خلال منتصف يونيو (حزيران) الماضي إلى أعلى مستوياتها منذ أوائل عام 2022 متجاوزة 80 دولاراً للبرميل، قبل أن تنخفض بعد التوصل إلى اتفاق تهدئة.
وتابع "يأتي ذلك إلى جانب استمرار الأزمة الروسية - الأوكرانية وما يرتبط بها من استهداف للبنية التحتية للطاقة، وتشديد العقوبات الغربية المفروضة على موسكو".
وأشار اللوغاني إلى أن التقديرات الراهنة تشير إلى نمو الطلب العالمي على الخام خلال الربع الثالث من عام 2025، بنحو 1.2 مليون برميل يومياً على أساس فصلي، ليصل الإجمالي إلى نحو 105.5 مليون برميل يومياً.
توسع الإمدادات النفطية وتوقع اللوغاني توسع الإمدادات النفطية العالمية بدعم من قرارات تحالف "أوبك+" في شأن زيادة مستويات الإنتاج، مع توقع انخفاض إنتاج الدول من خارج التحالف إلى 53.8 مليون برميل يومياً.
وأوضح أن المخزونات النفطية شهدت ارتفاعاً طفيفاً، لكنها لا تزال أقل من متوسطها خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، مما يشير إلى استمرار قوة أساسات السوق النفطية، لافتاً إلى أن هذه العوامل مجتمعة أسهمت في ارتفاع متوسط أسعار سلة خامات "أوبك" خلال يوليو (تموز) الماضي إلى نحو 71 دولاراً للبرميل، وهو أعلى مستوى له خلال أربعة أشهر، بينما باتت الأسعار الآجلة لخام "برنت" وخام "غرب تكساس" تتحرك في نطاق مستقر ما بين 65 و70 دولاراً للبرميل.
تحديات وتوجهات وبسؤاله عن أبرز التحديات التي تواجه دول "أوبك+"، قال الأمين العام للمنظمة العربية للطاقة، إن "نقص حجم الاستثمارات العالمية في المشروعات النفطية يمثل أبرز التحديات خلال المرحلة الراهنة، إذ لا يمثل معضلة للدول الأعضاء فحسب بل يؤثر في جميع دول العالم، لأنه يزيد من معضلة الطاقة الثلاثية المتمثلة في تحقيق التوازن بين أمن الطاقة واستدامتها، والقدرة على تحمل كلفتها".
وأشار إلى أن استثمارات قطاع استكشاف وإنتاج النفط خلال العام الحالي تقدر بنحو 480.6 مليار دولار، مما يعني وجود فجوة بنسبة تزيد على 16 في المئة ضمن الاستثمارات المطلوبة لتلبية النمو المتوقع في إجمال الطلب العالمي على النفط حتى عام 2050، والمقدرة بنحو 596.5 مليار دولار سنوياً.
ولفت إلى أن التوقعات المستقبلية تشير إلى ارتفاع الطلب العالمي على النفط إلى نحو 105.1 مليون برميل يومياً خلال عام 2025، إلا أنها لا تزال خاضعة لحال من عدم اليقين مرتبطة بالتباطؤ في الاقتصاد الصيني واضطرابات السياسة التجارية الأميركية.
فاعلية مرنة وأكد اللوغاني أن تحالف "أوبك+"، الذي يضم ست دول أعضاء في منظمة "أوابك"، أسهم منذ نشأته في دعم استقرار وتوازن أسواق النفط العالمية، وظهر ذلك جلياً في القرارات كافة التي اتخذها التحالف منذ تأسيسه خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2016.
وأوضح أن دول التحالف واصلت جهودها خلال عام 2025، ففي بداية العام ركزت قراراتها على تمديد حال الانضباط الإنتاجي لضمان استقرار السوق، مع التمهيد لمرحلة إعادة تدريجية للإمدادات، وهو ما يعكس نهجاً مرناً وتفاعلياً مع تغيرات السوق العالمية.
وأشار إلى أن آخر القرارات المتعلقة بالزيادة التدريجية والمرنة للإمدادات هو قرار دول "أوبك+" الثماني (السعودية وروسيا والعراق والإمارات والكويت وكازاخستان والجزائر وعمان) بزيادة مستوى الإنتاج على أساس شهري بمقدار 547 ألف برميل يومياً خلال شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، مع الحفاظ على قدرتها على التكيف مع الظروف المتغيرة.
وأضاف أنه في ضوء استمرار الأساسات السليمة للسوق النفطية، التي تنعكس في انخفاض المخزونات فضلاً عن التوقعات الاقتصادية الإيجابية، واصلت دول "أوبك+" سياساتها الإنتاجية المرنة التي تعتمد على إمكانية إيقاف الزيادات التدريجية موقتاً أو عكسها وفقاً لتطور ظروف السوق النفطية، إذ يحدد مستويات الإنتاج خلال الاجتماعات المتفق على عقدها شهرياً لمراجعة ظروف السوق النفطية، وهو ما يؤكد نهجها الاستباقي الهادف إلى استقرار وتوازن أسواق النفط.
وأكد اللوغاني أن فرص التعاون بين الدول العربية المنتجة للنفط وشركائها العالميين تعد أحد أهم أدوات تحقيق الاستقرار والتوازن في أسواق النفط وزيادة جاذبية الاستثمار في الصناعة النفطية، مشيراً إلى أن هذا التعاون أثبت فعاليته خلال جائحة كورونا وكان له دور رئيس في تسريع إعادة التوازن إلى الأسواق، ومنع استمرار انهيار أسعار النفط لفترة طويلة. وأكد أن فرص التعاون تظل قائمة بقوة ولن تتلاشى خلال العقود المقبلة، لا سيما في ظل السعي لضمان أمن الطاقة العالمي، وتحقيق التنمية المستدامة.
تغييرات ملحوظة ورداً على سؤال في شأن تأثير التغييرات التنظيمية الجديدة في سياسة الطاقة داخل الولايات المتحدة على استثمارات وإنتاج النفط الصخري وانعكاساتها على توازنات أسواق النفط العالمية، أجاب اللوغاني أن سياسة الطاقة الأميركية شهدت تغييرات ملحوظة مع بدء الولاية الثانية للرئيس الحالي دونالد ترمب خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، تمثلت في إعلان حال طوارئ وطنية للطاقة بهدف تسريع تنفيذ مشروعات البنية التحتية للنفط والغاز، إذ أُصدر الأمر التنفيذي "إطلاق طاقة أميركا" بهدف تعزيز موارد الطاقة المحلية بأسعار معقولة وموثوقة من خلال إزالة الحواجز التنظيمية، وتقليص القيود البيئية والتراجع عن دعم الطاقة المتجددة. وخلال يوليو الماضي، أُقر قانون "فاتورة واحدة، كبيرة، وجميلة" الذي بموجبه يخفض معدل الإتاوة الفيدرالية لتشجيع الإنتاج والاستثمار في صناعة النفط والغاز، مع تبسيط إجراءات منح تصاريح الحفر ورفع صلاحيتها إلى أربعة أعوام، وإتاحة مزيد من الأراضي الفيدرالية للحفر، وإلغاء الرسوم المفروضة على انبعاثات غاز الميثان التي فرضها قانون "خفض التضخم" وأجبر المنتجين على دفع رسوم باهظة للغاية أو إيقاف الإنتاج، فضلاً عن الموافقة على طلبات المزج في قاع البئر – وهو إنتاج الخام من خزانات متعددة عبر بئر واحدة، مما يتيح إنتاجاً أكثر كفاءة وفعالية من حيث الكلفة.
وأضاف اللوغاني أن تلك التغييرات في سياسة الطاقة الأميركية، لم يكن لها تأثير إيجابي ملموس على إنتاج النفط الصخري حتى الآن، على رغم أنها قد تسهم في إضافة نحو 225 عقد إيجار وتحفيز حفر 160 بئراً جديدة خلال عام 2026.
ولفت إلى أن ارتفاع إنتاج النفط الصخري الأميركي، تزامناً مع قرارات "أوبك+" بزيادة إنتاجها، قد يؤدي إلى حدوث فائض في الإمدادات النفطية العالمية، ما لم يرافقه نمو قوي في الطلب، ومن ثم حدوث انخفاض في أسعار الخام يدفع شركات الطاقة داخل الولايات المتحدة إلى خفض أنشطة الحفر وإكمال الآبار المحفورة وغير المكتملة.
استثمارات كبيرة بالغاز وقال اللوغاني إن المنطقة العربية ستشهد خلال الفترة بين عامي 2025 و2030 استثمارات كبيرة في مشاريع الغاز الطبيعي المسال، تركز على تعزيز الطاقة التصديرية وتلبية الطلب المحلي المتنامي".
وأشار إلى أن الموجة الثالثة من مشاريع التسييل، التي دخلت مرحلة التنفيذ، ستضيف أكثر من 200 مليون طن سنوياً إلى السوق العالمية، تقودها الولايات المتحدة والشرق الأوسط.
وقال إن قطر ستتصدر دول المنطقة بفضل توسعات مشروع حقل الشمال الغربي، لترفع إنتاجها إلى 142 مليون طن سنوياً بحلول عام 2030، وأشار إلى أن "الإمارات وسلطنة عمان تمضيان في مشاريع استراتيجية مثل "الرويس" و"مرسى" للغاز المسال، إلى جانب دور بارز لشركات النفط الوطنية الخليجية مثل "أرامكو" السعودية و"أدنوك" الإماراتية في الاستثمار العالمي وتعزيز أمن الطاقة".
وتوقع اللوغاني أن تؤثر "موجة" توسع إمدادات الغاز المسال العالمية، التي من المقرر أن تدخل الخدمة، بصورة كبيرة على ديناميكيات السوق، لا سيما من حيث الأسعار وأمن الإمدادات، خصوصاً داخل منطقة آسيا مع تعزيز مكانتها من حيث استيراد الغاز.
مواكبة التطورات المتسارعة وحول التوجهات المستقبلية لمنظمة "أوابك" أفاد اللوغاني بأن المنظمة قامت أخيراً بمراجعة وتطوير نشاطها وأهدافها، مع إعادة هيكلتها لتواكب التطورات العالمية المتسارعة التي تشهدها صناعة الطاقة، واستخدام الطاقة المتجددة والنظيفة والمستدامة، وتكنولوجيا إنتاج الطاقة وتعزيز كفاءتها، وبروز قضايا تغير المناخ والتشريعات البيئية الصارمة.
وأضاف بقوله "بناءً على اقتراح من السعودية وتأييد جميع الدول الأعضاء في المنظمة، وصلنا إلى المراحل النهائية من إعادة هيكلة المنظمة وإعادة صياغة اتفاق إنشائها وتطوير أعمالها وتغيير اسمها إلى "المنظمة العربية للطاقة" (AEO)، مما سيمكنها من لعب دور أكبر وأكثر فاعلية وفق رسالة ورؤية عصرية أكثر شمولاً وقدرة على مواجهة التحديات، إذ ستصبح منظمة عربية مهتمة بجميع مصادر الطاقة دون استثناء، بما في ذلك الموارد الوفيرة من الطاقة المتجددة وبخاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح".
ولفت إلى أن هذا التطوير يهدف أيضاً إلى تعزيز الاهتمام بتقنيات خفض الانبعاثات، ودعم كفاءة استخدام الطاقة، وتبني مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، واستكشاف آفاق الهيدروجين بأنواعه المختلفة.
وأشار إلى أن هذا التطوير والتحديث لآليات العمل سيساعد من دون أدنى شك على تأمين وتنويع مصادر الطاقة وتحقيق التنمية المستدامة داخل الدول الأعضاء.
اندبندنت عربية
|